شجاعته -صلى الله عليه وسلم-
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسنَ الناس، وكان أجودَ الناس، وكان أشجعَ الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- راجعاً قد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عُري في عنقه السيف وهو يقول: "لم تُرَاعوا لم تُرَاعوا"، قال: وجدناه بحراً أو إنه لبحر" قال: "وكان فرساً يبطأ" مسلم فضائل (2307). أي أنه كان بطيئاً فلما ركبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان من أشد الخيل جرياً وسعياً فقد بارك الله تعالى في سعيه وهذا من معجزاته -صلى الله عليه وسلم-.
والحديث يدلُّ على أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في منتهى الشجاعة.
وقال العباس بن عبد المطلب عم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم نفارقه ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نُفاثة الجذامي فلما التقى المسلمون والكفار ولَّى المسلمون مدبرين(1) فطفِق الرسول -صلى الله عليه وسلم- يركض بغلته قبل الكفار قال العباس رضي الله عنه وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكفُّها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذٌ بركاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أي عباس نادِ أصحاب السَّمُرَة(2)" فقال عباس -وكان رجل صيتاً- فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السَّمُرَة، قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا يا لبيك يا لبيك قال فاقتتلوا والكفار... -إلى أن قال- فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هذا حين حَمِيَ الوطيس" قال: ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: "انْهَزَمُوا وربِّ محمد" قال فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا" مسلم (1775).
وهذا من معجزاته -صلى الله عليه وسلم- حفنة من تراب ملأت عيونهم وهزمتهم.
ثم ساق مسلم الحديث مختصراً وفيه وقال: "انْهَزَمُوا وربِّ الكعبة انهزموا ورب الكعبة" وزاد: "حتى هزمهم الله وقال: كأني أنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يركض خلفهم على بغلته" مسلم الجهاد (1775).
ومن حديث البراء -رضي الله عنه- عن قصة حنين فأقبل القوم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو سفيان بن الحارث يقود بغلته فنزل ودعا واستنصر وهو يقول:
"أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب
اللهم أنزل نصرك"، قال البراء-رضي الله عنه-: "كنا والله إذا احمرَّ البأس نتَّقِي به وإنَّ الشجاع منا للذي يُحاذي به-يعني النبي -صلى الله عليه وسلم--" رواه مسلم في الجهاد (1776).
وروى مسلم قصة حنين من حديث سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-وفيه: "فلما غشوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل به وجوههم، فقال: "شاهت الوجوه"، فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة فوَلَّوْا مدبرين فهزمهم الله عز وجل وقسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غنائمهم" مسلم الجهاد (1777).
==========
الهوامـــش:
(1) لأنَّ الكفار كانوا رماةً وكمنوا للمسلمين في الجبال فما فاجئوهم إلا بالسِّهام فرجع بعض الناس ثم عطفوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلا فهم شجعان أبطال -رضي الله عنهم-.
(2) هم الذين بايعوه في الحديبية تحت الشجرة -رضي الله عنهم-.