النظام الحزبي في الجزائر من يصنعه:
في الأدبيات التي تدرس الأنظمة الحزبية في الأنظمة الديمقراطية، فإن تشكل الأنظمة الحزبية وتغيرها يخضع للآليات الانتخابية ولتغير أفضليات الناخبين وتعبر عن الانقسامات والصراعات الاجتماعية الكبرى. أما في الجزائر فمن المبكر أن نتكلم عن نظام حزبي خلال المدة المحدودة من 1991 إلى 2005، ومع ذلك فما يطبع النظام الحزبي من خلال قراءة أولية له هو عدم الاستقرار ووجود الأصوات العائمة، وميل النظام الحزبي نحو الحزب المهيمن ذو النزعة التسلطية، وهو بديل فرضته السلطة وفق هندسة انتخابية تعكس توزيع الحصص أكثر مما تعكس وجود انتخابات فعلية. هذا أفرغ التعددية الحزبية من مضمونها لأنها وقعت مجددا في الأحادية المرنة وغير المباشرة، بإعادة جبهة التحرير الوطني إلى الواجهة وفرضها كحزب مهيمن.
فالأحزاب السياسية إذا أريد لها أن تلعب دورا في تنمية وتطوير قدرات النظام السياسي، فلابد أن تعكس التصدع الاجتماعي والسياسي الفعلي، وما هو واقع هو محاولة تغطية التصدعات الاجتماعية وحصرها، بدلا من معالجتها وعرضها على المسرح السياسي لتجد التعبير المؤسسي لها، فيرى عدي هواري أن التصدع بين الدولة والمجتمع هو الذي افرز الانتصار الساحق للجبهة الإسلامية، وتم إلغاء هذه النتيجة وعدم القبول بها.
هل نتوقع التغيير من الأحزاب السياسية في الجزائر:
المسؤولية لا تتحملها الأحزاب، فهناك بيئة لا تشجع على التغيير السياسي والعمل الحزبي، من أهمها: مظاهر الثقافة السياسية السلوكية والقيمية لدى فئات كبيرة من المواطنين والتي لها توجه سلبي ونافر من الأحزاب السياسية يدعم حججه بأنها مجرد بوق للنظام وبأنها إطار للسياسيين الذين يسعون نحو المصالح الشخصية، ولم تلعب الأحزاب السياسية شيئا في تحسين ظروفهم المعيشية، وهذا التوجه السلبي من الثقافة السياسية تشجع عليه السلطة، وتضيف إليه جملة من الممارسات مثل التضييق على تشكيل الأحزاب السياسية من خلال جملة من القرارات والقوانين التي تقيد نشوء الأحزاب السياسية، وهنا نتساءل لماذا تمتلك وزارة الداخلية صلاحية الحسم في الملفات الحزبية من حيث الاعتماد وتجديد الهياكل الحزبية، والمفروض أن تتولى ذلك هيئة إدارية قضائية محايدة، كما هو الحال في العديد من الديمقراطيات الراسخة.
تعرض الأحزاب السياسية للعديد من الأزمات الداخلية كانت السلطة السياسية طرفا غير محايد فيها. كما أن هناك من يرى بأن الأحزاب السياسية في الجزائر ليست في موضعها الوظيفي الصحيح بسبب بنية السلطة التي لا تشجع على الديمقراطية التمثيلية، لأنها سلطة مزدوجة قائمة على السلطة الفعلية العسكرية والسلطة الشكلية الظاهرية المدنية، وان الأمر يستدعي تعديلا دستوريا يعترف بمكانة الجيش في النظام السياسي وفي نفس الوقت يعطي الاعتبار للمؤسسات السياسية التمثيلية .
وهناك اتجاه يشكك في الاستقلالية الفعلية للأحزاب السياسية من الناحية الثقافية والتنظيمية عن السلطة، فيرى أنها أما امتداد لآحد الاجنحة أو تعمل لتأييد مشاريع السلطة دون ان تكون لها القدرة على اتخاذ مواقف مستقلة ومعارضة ، وذلك لضمان البقاء السياسي. فالأمر برمته في الجزائر يرجع إلى غياب المعارضة السياسية الحزبية أو تهميش وتغييب المعارضة بمختلف الوسائل وتقزيمها بحيث لم تعد لها قوتها السياسية. لذا يرى ثنيو على سبيل المثال أن فرصة نجاح الديمقراطية مشروع لازال مؤجلا نظرا لطبيعة السلطة التي يصف اوضاعها " إن استمرار منطق الشرعية الثورية والكفاح الوطني المسلح ضد الاستعمار، وانبناء نواة الحكم على مصدر عسكري، من شأنه أن يبقي الديموقراطية في حكم المؤجل. لأنه ستنتهي كل صور و صيغ التلاعب بحتمية الحل الديموقراطي للأزمة الجزائرية التي تعد في جوهرها تعبير عن الغياب المتواصل لمقتضيات الديموقراطية من الفضّ السلمي للنزاعات الاجتماعية والسياسية، وإمكانية تداول المسئوليات العليا وليس السيطرة على مؤسسات الدولة أو محاولة امتلاكها والا أخذ النظام السياسي الشكل الاستبدادي" .
الخاتمة:من خلال هذه الورقة البحثية، نخلص إلى أن الأحزاب السياسية في الجزائر أصبحت جزءا من مشهد الوضع الراهن وتثبيته، وللتخلص من هذه الوضعية لابد من التأكيد على أن التغيير يأتي عبر المزيد من الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية، وإفساح المجال لمختلف الفئات للمشاركة في العملية السياسية، مما سيشجع على عودة الحيوية إلى الأحزاب السياسية، هذا سينعكس على تطور النقاش والبرامج السياسية لمعالجة كافة القضايا والمشكلات العامة بوضوح وإثراء النقاش حولها، ومن جهة أخرى فهناك دور للنظام السياسي وتحويل طبيعة النظام السياسي المنغلقة إلى نظام سياسي متفتح وقابل للاستجابة للتغيرات الداخلية والخارجية سيعمل على تغيير بيئة الأحزاب السياسية للعمل السياسي.
قائمة المراجع:- ألموند، جابريال ، بنجام باول و روبرت مندت. السياسة المقارنة: إطار نظري. ترجمة: محمد زاهي بشير المغيربي. بنغازي، ليبيا: جامعة قار يونس، 1996.
- ثنيو، نور الدين ، "الأحزاب السياسية في الجزائر والتجربة الديمقراطية"، في موقع: التجديد العربي، http://www.arabrenewal.net/index.php?rd=AI&AI0=1584 (09/08/2008).
- حسنين، توفيق إبراهيم، النظم السياسية العربية: الاتجاهات الحديثة في دراستها، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2005.
- خشيم، مصطفى عبد الله. موسوعة علم السياسة: مصطلحات مختارة. بنغازي، ليبيا: الدار الجامعية للنشر والتوزيع والإعلان، 1994.
-
- Badie Bertrand, le development poltique, Paris: Puf,
- Hachemaoui Mohammed, La représentation politique en Algérie entre médiation clientélaire et prédation (1997-2002), Revue française de science politique, vol. 53, n° 1, février 2003, pp 35-72.
- Lahouari Addi, les parties politiques en Algérie, Revue de l'Occident Musulman et de la Méditerranée , CNRS Aix-en-Provence, 2005.
- LaPalombara Joseph, “Reflections on Political Parties and Political Development, Four Decade Later”, Party Politics, Vol.13, No.2, 2007, pp 141-154.
- Schwantzenberg Roger-Gerard, Sociologie Politique, 5 ed, Paris : Montchrestien, 1998