عار عليك إذا فعلت عظيم

الحمد لله رب العالمين له الحمد الحسن والثناء الجميل
وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
وسلم تسليما إلى يوم الدين وبعد :

</SPAN>


	عار عليك اذا فعلت عظيم!!!</SPAN>

روى مسلم في صحيحه عن أسامة ابن زيد رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم يقول:
{ يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق اقتاب بطنه فيدور بها كما
يدور الحمار على الرحى ؛ فيجتمع اليه أهل النار فيقولون : مالك يا فلان ؟
الم تكن تأمر الناس بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول بلى كنت آمر
الناس بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه}

إن العلم الشرعي حياة للقلوب وغذاء للنفوس ونور للعقول والأبصار
وجلاء للافهام ؛ فإن أول آية نزلت { إقرأ باسم ربك الذي خلق..}
وإن أول قسم أقسم بالله تعالى { نون والقلم و ما يسطرون ..} وإن الله لم
يأمر رسوله أن يستزيده الا { وقل رب زدني علما ..}ويكفى الجهل شرا
ودناءة أن لا يرتضي الجاهل بان يوصف به ..

وما أشقى الإنسان لما يصير العلم وبالا عليه لا يعود له بالثمار الزكية
ولا بالخيرات الربانية ؛ وإنما يغرقه في أوحال الشرور الردية ويدمر
بذاك نفسه وربما تعدى الدمار لغيره فزاد الهلاك والشر
وفي مثل هذا قال الشاعر :

فساد كبير عالم متهتك *** وأفسد منه جاهل متنسك
هما في الناس فتنتان عظيمة *** لمن بهما في دينه يتنسك

ورسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يخبر عن ذالك العالم
الذي أعطاه الله العلم ورزقه الفهم والادراك ووهبه ملكة الفهم والاستنباط ؛
فكان للناس نورا وإماما وراشدا ومعلما ؛ واعظا ومذكرا ؛ يامرهم بالخير
والمحامد ؛ وينهاهم عن الشر والمفاسد ؛ ولكنه ماذا يا إخواننا ؟
ماكان يفعل الخير ويجتنب السوء كان يفعل المنكر ويحذر الناس منه؛
ولا يفعل الخير ويحض الناس عليه وكان لسان حاله كما قال الشاعر :

أتنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم

فكان فعله غير قوله ؛ ومظهره غير مخبره ؛ أمام الناس ينصح ويعظ ويرشد
وفي الخلوات يعصي ويغدر ويفسد ؛ وذالك لم ينفعه علمه ولم يغنِ عنه حفظه
وما نجاه نشاطه في الدنيا يوم القيامة

أليس عجيبا ان يكون العلم وبالا على الانسانية ؟ أليس من العار ان يكون
العلم الذي هو نور ظلاما على بعض الناس ؟ أليس من الشنار أن يتخذ
ميراث النبوة وسيلة من وسائل الفساد ؟ لكنه ورب الكعبة لن يمد الله لهذا
الامد كله وان كان اخترق سنته الكونية في أن النصرة للخير
والغلبة للعلم الصحيح فهو لن يمد له فسرعان مايهتك ستر
هذا العالم السيء ويفتضح أمره

وفي الحديث الذي بين أيدينايصور لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
صورة رهيبة تقشعر لها الابدان وترتعد لها الفرائص وهي غيبٌ علمه
الله تعالى لرسوله ليرهبنا ويحذرنا من موقف ذالك الشخص ؛ قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة ذالكم العالم
{ يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه }
والاندلاق هو خروج الشيء من مكانه يقال اندلق الماء واندلقت الفتنة
وأقتاب البطن هم الامعاء .

قال { فيدور بها كما يدور الحمار على الرحى ..} والمراد بالرحى الحجر
الكبير المسمى بالطاحون ؛ فهذا الرجل خرجت أمعاؤه بين الناس في جهنم
فصار يدور بها كما يدور الحمار على الرحى ؛ تصوروا يا إخواننا
رجلا يدور على أمعائه وقد خرجت من بطنه واين ذالك ؟
إنه في جهنم المتاججة نيرانها الملتهبة بسعيرها اوقدت ألف سنة حتى ابيضت
ثم أوقدت ألف سنة حتى احمرت ثم أوقدت الف سنة حتى اسودت
فهي الان سوداء

سوداء مظلمة شعفاء موحشة *** دهماء محرقة لوحات البشر

يكون في هذه الصفة البشعة والناس قد اجتمعوا عليه يسالونه ؛مستغربين
من سبب هذا العذاب ؛ ومن سبب هذا الشقاء – وإذا عرف السبب بطل
العجب – وهذا المصير المشؤوم يقولون له : مالك يافلان ألم تكن تأمرنا
بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟

والمعروف هو كل ما يستحسنه الشرع وترتضيه العقول السليمة من قول
او عمل ؛ والمنكر هو كل ما يستقبحه الشرع ولا ترتضيه العقول السليمة
من قول او عمل ؛ والمعروف والمنكر متلازمان في الذكر في القران الكريم
وفي السنة غالبا ؛ فقلما يفرد أحدهما بالذكر دون الاخر قال الله تعالى
{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهو
عن المنكر } وقال الله تعالى
{ ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير يأمرون بالمعروف وينهون
عن المنكر وأولائك هم المفلحون } الى غير ذالك

فالناس الذين في جهنم والعياذ بالله لما يرون ذالك العالم بينهم يدور حول
أمعائه يستغربون ويشدهون منه ألست أنت فلان الذي كنت الذي كنت
تأمرنا في الدنيا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟؟ ألست أنت الذي كان
يقضي اوقاته في الدعوة الى الخير والبر والصلاح ؟ فيقول
{ بلى لقد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه }
قوله ولا آتيه المراد لا أفعله وفي مثله قال الله تعالى
{ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون }

سبحان ربي ما أفجع هذه النهاية ؛ وما ابشع هذه الصورة التي يقطر
منها القلب ذوبانا ويقشعر منها الفؤاد تلذعا فإنه – يا اخواننا – ليس
أوجع على القلب ولا أنكى على النفس من أن يضل الانسان ويشقى
بسبب العلم فيكون وبالا على نفسه وعليه ولغيره ولليس له ؛ وفي مثله
يقول المولى عز وجل { أفرأيت من اتخذ الهه هواه وختم الله على سمعه
وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من دون الله أفلا تذكرون ؟}

يا إخواننا إن العلم الذي هو سر السعادة في الدارين وكنه النجاة إذا لم ترافقه
التقوى ويصحبه الورع ؛ وتتخلله مراقة الله تعالى ؛ كان سببا للشقاء
والهلاك وكان حجة على صاحبه ووبالا عليه يوم القيامة والله در القائل :

لو كان في العلم من دون التقى شرف *** لكان أشرف خلق الله إبليسا

ونماذج سلفنا الصالح في عملهم بالعلم الذي يحملون كثيرة جدا لا تكاد
تحصى فمن الصحابة رضوان الله عليهم من كان لايتجاوز عشر آيات
في الحفظ حتى يعمل بها

ذكر فضيلة الشيخ سليم الهلالي في شرحه لاصول السنة للإمام احمد
رحمه الله امام أهل السنة أنه عمل بكل الأحاديث التي في مسنده
حتى حديث الغار فقد اختفى في غار الكرخ زمان المحنة

هذا والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين

» برنامج لمسح الملفات التي يصعب عليك مسحها