... تابع
2- التربية الخلقية والنفسية:
يقصد بالتربية الخلقية " مجموعة المبادئ الخلقية والفضائل السلوكية والوجدانية التي يجب أن يتلقنها الطفل ويكتسبها ويعتاد عليها منذ تمييزه وتعقله إلى أن يصبح مكلفاً، إلى أن يندرج شاباً ، إلى ان يخوض خضم الحياة " [1].
أما التربية النفسية فهي تلك التي تهتم بتربية الولد منذ أن يعقل على الجرأة والصراحة والشجاعة والشعور بالكمال ، وحب الخير للآخرين والانضباط عند الغضب ، والتحلي بكل الفضائل النفسية والخلقية على الإطلاق " [2] .
وهذه التعاريف وإن كانت تركز على أن يحسن الطفل السلوك منذ تمييزه وتعقله ، إلا أن مهمة الأهل في غرس هذه المبادئ الخلقية تبدأ في مرحلة مبكرة جداً ، حتى يصل الطفل إلى مرحلة البلوغ وقد اعتاد على الفعل الخلقي بشكل تلقائي 0
ويرتبط هذا النوع من التربية بالتربية الإيمانية ارتباطا وثيقاً ، إذ أن الطفل الذي يتربى تربية إيمانية قائمة على خشية الله ومراقبته يصبح أقدر على كسب الخلق الحسن والابتعاد عن الخلق السيء لما يعلمه من حب الله للخير وبغضه للشر.
ومن طرائف ما يروى عن " تعويد السلف أولادهم على الصدق ومعاهدتهم عليه هذه القصة : يقول العالم الرباني الشيخ عبد القادر الكيلاني رحمه الله " بنيت أمري –في حين ما نشأت – على الصدق ، وذلك أني خرجت من مكة إلى بغداد أطلب العلم ، فأعطتني أمي أربعين ديناراً أستعين بها على النفقة ، وعاهدتني على الصدق ، فلما وصلنا أرض همدان خرج علينا جماعة من اللصوص فأخذوا القافلة ، فمرّ واحد منهم وقال : ما معك ؟ قلت : أربعون دينـاراً ؟ فظن أني أهزأ به فتركني ، فرآني رجل آخر ، فقال : ما معك ؟ فأخبرته بما معي ، فأخذني إلى كبيرهم ، فسألني فأخبرته ، فقال : ما حملك على الصدق ؟ فقلت : عاهدتني أمي على الصدق ، فأخاف أن أخون عهدها ! ، فأخذت الخشية رئيس اللصوص ، فصاح ومزق ثيابه ، وقال : أنت تخاف أن تخون عهد أمك ، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله ؟ !! ثم أمر برد ما أخذوه من القافلة ، وقال : أنا تائب على يديك ، فقال من معه : أنت كبيرنا في قطع الطريق ، وأنت اليوم كبيرنا في التوبة ، فتابوا جميعاً ببركة الصدق " .
من هذه القصة نستخلص دور الأهل في زرع الأخلاق في نفسية الطفل ، وهذا الأمر لا يفعله كثير من الآباء اليوم ، بل على العكس من ذلك فقد تشارك الأم في تدمير نفسية طفلها عبر سلوكه بسلوك يؤدي إلى تشجيعه على الانحراف ،
وقد قال أحد علماء التربية أن " تشكيل تصرفات أطفالنا ترجع بنسبة قد تصل إلى 85% إلى تصرفاتنا ، نحن الآباء والأمهات مع أطفالنا ، وبخاصة تصرفات الأم مع طفلها ، فهي وحدها العامل المؤثر والقيمة الملحوظة في نشأة تصرفات معينة دون غيرها " .
ومن هذه الأنواع من السلوك التي يسلكها الأهل مع أبنائهم وتنعكس عليهم ضراً وسوءاً ، ما يلي :
1- تحقير الأهل للولد أمام أقرانه أو اخوته أو حتى الغرباء، والتشهير به حين ينحرف عن الأخلاق الكريمة فإذا كذب مرة نادوه دائماً بالكذاب، وإذا لطم أخاه الصغير مرة واحدة نادوه بالشرير ، وهذا التصرف يشعر الولد بالنقص وبأنه لا قيمة له وأنه حقير ، وهذا من الأمور الذي يولد في قلب الطفل إحساس بالضغينة والكره للآخرين الذين هم أفضل منه ، أو يصبح منعزلاً وحيدا يهرب من مواجهة الناس ،... إن على الأهل أن يدركوا خطر تصرفاتهم على نفسية أولادهم وأن يعملوا على استخدام أسلوب الرفق واللين في تربية الأبناء ، فيبينوا للولد الحجة التي يقتنع بها عقله الصغير أنه بتصرفه يسيء إلى نفسه وإلى غيره.
2- ذهاب رقابة الأهل على تصرفات الأولاد داخل البيت وخارجه ، فيسمحون لهم بمشاهدة البرامج التلفازية الفاسدة ، ويسمحون لهم بمخالطة رفقاء السوء ، ويدفعون بهم إلى بعض المدارس الأجنبية التي لا تقيم للقيم الأخلاقية المعهودة في الشريعة والعادات وزناً ، ويأخذون بأيديهم إلى السينما ليشاهدوا الأفلام الغرامية أو البوليسية ، وهي تفسد أخلاق الكبار فكيف بالصغار ، ويضعون بين أيديهم المجلات الماجنة التي تتاجر بالغرائز وتشجع على الإجرام
3- تفضيل ولد على آخر من أهم العوامل التي تعين على انحراف الولد وهذه المفاضلة قد تكون في العطاء أو في المحبة أو في المعاملة ، مما يؤدي إلى توليد إحساس الحسد والكراهية ويسبب الخوف والحياء والانطواء والبكاء ، وهذا الأمر حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال : " ساووا بين أولادكم في العطية " الطبراني .
4- تدليل الولد الدلال المفرط مما يولد عنده الإحساس بمركب النقص وتفقده الرجولة والشجاعة في المستقبل ، ويصبح ضعيف الثقة بنفسه ومتخلفا عن أقرانه .
5- سؤ تصرف الأم في بعض الأحيان عندما تشجع ولدها على الانحرافات ولا تقومها مثل انفعال الخوف ، فتخوف الأم أطفالها بالبعبع والضبع والحرامي واليهودي والجني والعفريت " فينشأ الولد جباناً رعديداً يخاف مما لا يخاف منه ، ويخشى ما ينبغي أن يقدم عليه ، ، وأشد ما يغرس الخوف والجبن في نفس الطفل الجزع إذا وقع على الأرض فسال الدم من وجهه أو ركبته أو يده ، فتلطم الأم صدرها بيدها وتصرخ وتطلب النجدة فيزداد الطفل بذلك بكاء ، ويتعود الخوف من رؤية الدم أو الشعور بالألم ، وخير من هذا أن تبتسم الأم وتهدئ روع ولدها وتشعره بأن ما حصل له أمر بسيط وأنه معرض لمثل هذا فيما يستقبل من الأيام " [6].
6- فقدان الطفل لقدوته ، إذ أن التربية الفاضلة يجب أن تكون بالقدوة الحسنة والأم التي تربي أطفالها على الصدق وتكذب عليهم أو تأمرهم بالكذب في بعض المواقف خاصة عندما يسأل عنها زائر لا تريد رؤيته ، تفقد أبنائها ثقتهم بها وبأقوالها ، وتضعف عند الطفل جانب التأثر بنصائحها ومواعظها .
ومما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال : دعتني أمي يوماً ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا ، فقالت ، ها تعال أعطك ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أردت أن تعطيه ؟ قالت : أردت أن أعطيه تمراً ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة " رواه أبو داود .
فليعلم الأهل أنهم مسؤولون مسؤولية تامة عن تربية أبنائهم داخل البيت فانحراف الأبناء في الكبر إنما يعود إلى الصغر ، قال الدكتور مصطفى السباعي : " نحن المسؤولون عن انحراف أبنائنا وبناتنا إذا أصررنا على انتهاج الأساليب الحاضرة في بيوتنا مع أولادنا ! نحن المسؤولون عن كذبهم في المجتمع إذا شجعناهم على الكذب في طفولتهم أو قسونا عليهم في العقوبة عليه حتى جعلناهم لا يخجلون منه ، ونحن المسؤولون عن سرقاتهم إذا نحن ابتسمنا لسرقاتهم في طفولتهم ، أو عاقبناهم بالعقوبة البالغة التي لا يطيقونها فندفعهم إلى التمرد والشقاوة دفعا ...
ويروي الدكتور السباعي حادثة حصلت في إحدى المحاكم حيث حوكم سارق بعقوبة قطع يده " فلما جاء وقت التنفيذ قال لهم بأعلى صوته – قبل أن تقطعوا يدي اقطعوا لسان أمي – فقد سرقت أول مرة في حياتي بيضة من جيراننا ولم تطلب إلى إرجاعها إلى الجيران بل زغردت وقالت : الحمد لله لقد أصبح ابني رجلا .. فلولا لسان أمي الذي زغرد للجريمة لما كنت في المجتمع سارقا [7] .